كتبه : د/ ولاء السيد شحاتة
إن الأطفال العدوانيين لم يولدوا كذلك.. فربما كانوا قد اكتسبوا هذا السلوك العنيف لأول مرة في المنزل، حين كان الوالدان يستخدمان السلوك العدواني في حل المشاكل أو مواجهة بعضهما البعض. وقد يتعلم أطفالهما منذ مرحلة مبكرة أن العنف هو أفضل طريق للحصول على ما يريدون.
كما قد يتعلمون أن مواجهة التحديات إنما هو بالشدة, وأن والتعبير عن أنفسهم إنما يكون باستخدام أيديهم بدلا من الكلام..كما قد يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام. حيث أن كم مشاهد العنف التي يتعرضون لها كبير للغاية. وقد أثبتت البحوث أن الأطفال الذين يشاهدون العنف كثيرا ينظرون إلى العدوان بوصفه أسلوبا مقبولا لحل المشاكل!
كما قد يتعلمون أن مواجهة التحديات إنما هو بالشدة, وأن والتعبير عن أنفسهم إنما يكون باستخدام أيديهم بدلا من الكلام..كما قد يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام. حيث أن كم مشاهد العنف التي يتعرضون لها كبير للغاية. وقد أثبتت البحوث أن الأطفال الذين يشاهدون العنف كثيرا ينظرون إلى العدوان بوصفه أسلوبا مقبولا لحل المشاكل!
المشكلة في المدرسة
الأطفال العدوانيون داخل المدرسة يمثلون تحديا ملموسا لمعلميهم، فهم يشيعون جوا من الخوف في داخل فصولهم المدرسية، ويثيرون القلق والانزعاج بين زملائهم، ويعطلونهم عن متابعة واجباتهم الدراسية. وقد يتطور سلوكهم العدواني هذا إلى إيذاء من خلال قيام الطالب بإرهاب الأطفال الآخرين بدنيا أو نفسيا، وتفيد الإحصائيات أن من بين 15 إلى 20 % من الأطفال يتعرضون للإيذاء عند مرحلة معينة بالمدرسة،
ما يترك في نفوسهم آلاما لا تندمل حتى عندما يكبرون، حيث يعاني هؤلاء الضحايا من الإحساس بالقلق والترقب والخوف والاكتئاب، وقد يتملكهم الفزع لدرجة أنهم يطلبون من أهلهم أن يتركوهم ليمكثوا في المنزل ولا يذهبوا للمدرسة.
إن الأطفال العدوانيين لم يولدوا كذلك.. فربما كانوا قد اكتسبوا هذا السلوك العنيف لأول مرة في المنزل، كما يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام
وعلى الرغم من انتشار تلك المشكلة وما تنطوي عليه من مخاطر محتملة، فإنها من المشاكل التي كثيرا ما يغفلها المعلمون، حتى عندما يتم تنبيه المعلمين إلى مثل تلك الحالات فإنهم يغضون الطرف عنها،
حيث ينظرون إلى العنف بوصفه عادة غير ضارة مرتبطة بمرحلة سنية معينة من الأفضل غالبا تجاهلها. لكن الحقيقة تقول بأنها مشكلة تتطلب من فريق العمل بالمدرسة أن يأخذها مأخذ الجد حتى لا يتطور السلوك العدواني على المعلم والمدرسة الإحاطة بكل أشكال السلوكيات العدوانية، والعمل دوما على تقليص مظاهرها، ومحاولة الوقوف الدائم عند أسبابها..
وفيما يلي بعض النصائح التربوية التي تهدف إلى الحد من ظاهرة السلوك العدواني ومحاولة ضبطها:
– أعلن لطلابك بوضوح أن السلوك العدواني غير مقبول. ويمكنك أن تحيطهم علما بعواقب الإقدام على أي سلوك عدواني، وشجعهم على إبلاغك فورا عند ملاحظة أي صراع أو اعتداء بدني وقع بين زملائهم.
– أكد لطلابك أنك سوف تحميهم. فإذا لاحظت أن طالبا يمارس اعتداء بدنيا على زميله، فاتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف ذلك على الفور، لحماية الطالب ولإيصال رسالة مفادها أنك لن تتسامح مع مثل هذا السلوك.
– كن حاسما في فض المشاجرات. فإذا حدث وتشاجر طالبان أمامك، فعليك أن تأمرهما بالتوقف بصوت عال وقوي، كأن تقول مثلا: “حسام” و”أحمد”، توقفا عن العراك فورا، وابتعدا عن بعضكما البعض. وبعد المشاجرة، عليك أن تلتقي بالطالبين حتى يخبرك كل واحد منهما بما حدث من وجهة نظره، وعليك بعدها أن تصلح بينهما، وترسل إشعارا بما حدث لآبائهما.
– عامل الطالب بهدوء ولكن بحزم. ولا تلجأ لأسلوب الشدة إلا كحل أخير. ودعه يعبر عما يثير ضيقه دون أن تقاطعه، وأعرب بعدها عن تفهمك لمشاعره.
– فكّر في إبعاد الطالب العدواني, فإذا قررت عقابه بأسلوب الاستبعاد المؤقت، فليكن ذلك بسرعة وحزم وقل له عندها: “أنت تعرف القاعدة: ممنوع ضرب الآخرين. عليك أن تخضع الآن للاستبعاد المؤقت”. وعندما يعود الطالب من الاستبعاد، عليك أن ترحب بعودته، وتذكره بقاعدة منع السلوك العدواني، ثم ابحث عن فرصة تثني فبها على سلوكيات الطالب المقبولة فيما بعد.
– بعد أن يهدأ الطالب، تحدث معه على انفراد. أخبره بصوت هادئ أنك تتفهم أسباب ضيقه ولكن أكد له أيضا أن عليه البحث عن طريقة أفضل للتعبير عن غضبه باستخدام الكلمات وليس باستخدام يديه. وركز معه على الأقوال والأفعال التي ينبغي أن يغيرها في المرة التالية.
– حاول تحديد الأماكن والأوقات التي يكون فيها الطالب عدوانيا. قد تحتاج لأن تدون بعض المعلومات المختصرة بشأن تلك الحالات، فقد تستنتج من تقييمك مثلا أن الطالب يكون أكثر ميلا للاعتداء على الآخرين في أوقات معينة حاول تتبعها وتقييم سلوكه فيها.
– اطلب مساعدة الوالدين, وحاول أن تعرف منهما أساليب حفظ الانضباط التي وجدا أنها تفلح معه، وبعد أن تتفق معهما على خطة للتحكم في سلوك ابنهما، واحرص على أن يسمع الطالب بنفسه الوالدين وهما يعلنان اعتراضهما على سلوكه ويعربان عن تأييدهما لأسلوبك معه في غرفة الدراسة.
– اجعل الطالب يعتذر. إذ عليك أن تشجعه على أن يتصالح مع زميله الذي اعتدى عليه بالضرب، ولا تسعى لإجباره على الاعتذار، لأن ذلك قد يثير غضبه.
– علّم طلابك مهارات تصفية النزاعات. وذلك من خلال تعليمهم أساسيات المهارة اللغوية اللازمة لمناقشة الأمور مع الآخرين، وهي تشمل: التزام الهدوء، الإنصات للآخرين بدون مقاطعتهم أو لومهم أو إهانتهم، استخدام ضمير المتكلم في التعبير عن المشاعر الشخصية وتوصيلها ووضع وجهات نظر الآخرين في الحسبان.
– خصص جزءا من حجرة الدراسة ليكون “ركنا للتسامح”، حيث يستطيع فيه طلابك تصفية نزاعاتهم. فإذا نشب صراع بين طالبين، فاطلب منهما الذهاب لهذا الركن ليناقشا الأمر ثم يعودا إليك في النهاية ليخبراك بالحل الذي توصلا إليه.
– اطلب من الطلبة المتورطين في المشاجرة ملء استمارة خاصة بالسلوك. وتكون هذه الاستمارة بمثابة سجل لحادثة المشاجرة يمكنك الاستعانة به عند لقائك بآبائهم، كما أنها ستساعد الطلبة على إعادة التفكير في سلوكياتهم والعمل على تعديلها.
– أرسل الطالب إلى مكان تهدأ فيه أعصابه. أخبر الطالب أنه عندما يشعر بالإحباط وبأنه على وشك الانفجار بشكل انفعالي، فعليه أن يخبرك بأنه بحاجة لمغادرة غرفة الدراسة. وأبلغه أنه يستطيع العودة إلى الغرفة عندما يشعر بأنه قد أصبح أكثر تحكما بأعصابه. ولكن احرص على إفهام الطالب أن هذا ليس إجراء تأديبيا.
– حاول أن تشغل الطالب بأنشطة تقلل من إثارة سلوكه العدواني. فيمكنك أن تطلب منه حمل شيء ما أو فعل شيىء ما حينما يستشعر في نفسه نزوعا لاستخدام يديه بشكل غير لائق أو عندما يشعر بأنه على حافة الانفجار في نوبة غاضبة.
– خاطب رغبة الطالب في قبول وكسب حب أقرانه. وانصحه بأن أفضل طريقة لكسب إعجاب زملائه تكون بأن يظهر أمامهم قدرته على السيطرة على انفعالاته.
– تواصل مع الطالب. فقد يفقد الطالب العدواني ثقته بمعلمه وينظر إليه كخصم أو عدو. حاول أن تكسب ثقته بعدة طرق، كأن تخصص من وقت لآخر بضع دقائق تتحدث فيها معه حول اهتماماته وهواياته.
– استشر المتخصصين وتشاور معهم, ويمكنك أن تطلب من الموجه المدرسي توجيه النصح والإرشاد له، فقد يكون بحاجة لمن يوجهه بشان أسلوب حل نزاعاته مع أقرانه والبحث عن أساليب سلوكية بديلة.
– كلف الطالب بأعمال الخدمة الاجتماعية. إن تكليف الطالب بمهام تتضمن مساعدة الآخرين يمكن أن تشجعه على التصرف بشكل أكثر تعاطفا وأقل عدوانية تجاه أقرانه. فيمكنك أن تكلفه مثلا بمهمة تنظيم ألعاب للطلبة الأصغر سنا خلال فترات الراحة بين الحصص الدراسية.
– تدبر إجراء الاختبارات اللازمة للطالب لمعرفة ما إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة. فمثل هذا الطالب قد يحتاج نوعا خاصا من الإشراف الكامل والتوجيه الفردي الذي لا تستطيع إمداده به.
في حال تطور السلوك العدواني إلى إيذاء أو تحرش بالإيذاء فمن الضروري أن تكون متيقظا لملاحظة حدوث ذلك. وعلى الرغم من أنك قد لا ترى فعلا إحدى هذه الحالات بنفسك
– حيث أن الأطفال الذين يؤذون أقرانهم ماهرين في تعذيبهم أثناء غياب البالغين – إلا أنه يمكنك رؤية آثار حدوثها،
والطفل الذي تعرض للتحرش بالإيذاء تظهر عليه الأعراض التالية:
أ. القلق والترقب أثناء التواجد داخل غرفة الدراسة.
ب. تكرر زياراته لعيادة المدرسة.
ج. تدهور مستواه الدراسي.
د. حالة حزن غير عادية وميل للانعزال عن أقرانه.
هـ. ظهور كدمات بجسده دون سبب.
كيف تواجه مشكلة الضرر والإيذاء والتحرش؟
يمكن للمعلم أن يواجه مشكلة الإيذاء والتحرش عند الطلاب بالوسائل التالية:
– سارع باتخاذ الإجراء اللازم عند رؤية حالة من حالات الضرر أو السماع بها. لا تدع الأمر يستمر ظنا منك أن الأطفال بحاجة لتعلم كيفية الدفاع عن أنفسهم، فترك الحال على ما هو عليه قد يؤدي إلى معاناة الطالب، بدنيا ونفسيا.
– تحدث مع الطالب المعتدي على انفراد. أعطه فرصة لشرح وتبرير سلوكه، وتوقع منه العمل على تهوين أفعاله أو إلقاء اللوم على الضحية، فلا يلجأ طالب لإرهاب الآخرين إلا لسبب نفسي ما، كرغبته في إعلاء مكانته واكتساب السلطة والنفوذ على أقرانه، أو لتنفيس إحباطه الناجم عن مشاكله المنزلية أو المدرسية. لذا، حاول أن تحدد الدافع الكامن خلف ميل الطالب للتحرش بالآخرين حتى توفر له المساعدة اللازمة.
– سارع باتخاذ الإجراء اللازم عند حدوث حالة إيذاء أخرى. كأن يُفصل الطالب مؤقتا من المدرسة، وفي يوم عودته يجب إلزامه بإحضار والديه معه ليوقعا على إقرار يوافق فيه على الامتناع عن السلوك العدواني بعد ذلك. ويجب أن يحدد هذا الإقرار السلوكيات الممنوعة بشكل دقيق مع توضيح العقوبات التي سيتعرض لها الطالب إذا لم يلتزم بشروط الاتفاق.
– اعتن بأمر الضحية. فالطالب المعتدى عليه يحتاج لعنايتك. اسأل الضحية عما حدث وأنصت إليه بعطف واهتمام، وشجعه على إخبارك بأية أحداث أخرى يتعرض لها، وأكد له أنك لن تدخر وسعا في منع حدوثها، ثم قم معه بتمثيلية يتدرب خلالها على ما يمكنه قوله أو فعله حتى تعزز لديه ثقته بنفسه عندما يواجه مثل تلك المواقف.
– أجر مسحا عاما عن ظاهرة الضرر والإيذاء والتحرش بين طلابك. قد تساعدك نتائج هذا المسح على قياس مدى انتشار وأنواع الحالات التي تحدث، إلى جانب تحديد أماكن حدوثها. ويمكن بالطبع إجراء هذا المسح على مستوى المدرسة ككل حتى يكون مقياسا نقيم في ضوئه مدى تأثير أية برامج نتبعها للتقليل من حدوث ذلك بالمدرسة.
– اعقد اجتماعا داخل غرفة الدراسة لمناقشة المشكلة. تحدث مع طلابك عن ماهية الإضرار والإيذاء والتحرش مع إعطاء أمثلة من عندك أو من عند الطلاب، ويمكنك كتابة ذلك على السبورة، وعليك أيضا مناقشة إحساس الطالب الذي يتعرض للترويع، مع كتابة ذلك أيضا على السبورة. واسأل طلبتك عما يمكن أن يفعلوه إذا شاهدوا طالبا آخر يتعرض للترويع. وشجعهم على اتخاذ الخطوات اللازمة لإيقاف ذلك.
– وجه اهتمامك نحو الطلبة المنعزلين عن أقرانهم. في أغلب الأحيان يأتي الطلاب المنعزلون على قائمة الإستهداف، وذلك من خلال الاتفاق مع الطلاب المحبوبين على دعوة أقرانهم المنعزلين لمشاركتهم أنشطتهم. وقد يحتاج هؤلاء مساعدتك لتعليمهم ما يجب أن يقولوه أو يفعلوه عند التواصل مع زملائهم.
– شجع الطلاب على التعامل بلطف ومودة فيما بينهم. يمكن أن تكرّم مثل هؤلاء الطلبة بمنحهم شهادات تقدير أو جوائز في اجتماعات المدرسة. ولعل أهم خطوة في تعليم الأطفال كيفية معاملة بعضهم البعض باحترام، أن تكون أنت نفسك مثالا يحتذي به في سلوكك ومعاملاتك. وهذا يعني أن تتجنب، مثلا: السخرية من الطلبة وإهانتهم.
– اقترح على مدرستك وضع سياسة لمواجهة المشكلة مع مناقشة الطرق اللازمة للوقاية منها، ووضع قائمة بالعقوبات التدريجية التي يمكن تطبيقها على مرتكبي هذه الأعمال.
– استعن بالأخصائيين التربويين الخبراء والأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين المدرسيين في كل حالة من الحالات التي يصعب التعامل معها.