دارين فتحي تكتب .. العرجاء

بقلم … دارين فتحي

يُطلقون عليَّ فِي شارعِنا “العَرجاء” –

رغم أني لستُ كذلك بالمعنى الحرفي- لكن لهم بعضُ حقٍّ في ذلك؛ فنِصفي الْأَيسر أخفض من الْأَيمن يُلاحَظ ذلك من تقوّسه البيّن وتفضحه أكثر الحقيبة الثقيلة التي أتكئ بها عليه، جعل ذلك مشيتي متعرجة وفوضية الاتزان خاصة حين تعلوها نظراتي المقتحمة كل شيء والمتلفتة تفتش في أعين أصحاب السبيل.

الرجل المِهزار الذي لَا يكفّ عن السخرية دائما ما ألمح في صوته بحّة بُكا ويُخيّل إليّ أن الدموع تترقرق في عينيه لَولَا أن جفونه تنتهرها! الرجل نفسه صلب جدا لكنه يتجنب النظر إلي ويغضّ البصرَ عن قلمي.

الرجل الخَائب في الحرب كان يحمل إنسانية مُفرطة بداخله كلما أمسك بالزناد أوقفته؛ لم يكن جبانا كان إنسانا..

إنسانا خائبا

الفتاة التي تسرف في وضع مساحيق التجميل جلست قبالتي البارحة ولأول مرة أرى بقعة داكنة في وجهها شقّ على المسحوق الأبيض إخفاؤه.

الرجل المَجذُوب الذي يطوف بعجلته ذات الأزهار في المُقدمة حكا لي عن محبوبته، ليس مجذوبا إذن لكنه مجرد عاشق مسجون بين قضبان ذكرياته والموت هو اللص الذي سرق محبوبته ولم يترك بعدها حيا إلا الزهر..

الروايات المهترئة والكتب القديمة والروائح التي تستنشقنا بدلا من أن نستنشقها كلها أشياء مغمورة مثلي لا تسأل أبدا متى سيعرفها العالم؟،هي تسأل متى تجهله هي؟!

أنظر كثيرا في المرآة وأتساءل لماذا تقول أعينهم أنني عرجاء، شوهاء وغريبة! لكني لا أجد شيئا؛ كل الشوه الذي فيّ أحبه وأراه مألوفا بل وفطريا تماما.. أنا أثقب الناس أحيانا وأرى دواخلهم وكأن أرواحهم شفافة عارية من أجسادهم وتتزاحم المشاعر داخلي بين مقت وغضب وخزي وتبجيل وحب لكنني دوما يغالبني الإشفاق عليهم أنا أثقب الناس أحيانا وهم يقتلوني غالبا..

المرأة العجوز أراها تجلس جلستها الماضية تنحنح “الصبر يا رب” ولا ترد علي السلام حين ألقيه عليها لكن نظرة البغض في عينيها تحولت إلى استغفار بعد أن ماتت ولم يعد يراها إلّاي ولكنها ما زالت لَا ترد السلام..

العالم الكبير حولي يتلاشى حين أقرأ وتخبرني معالمه أنها زائلة مهما عظمناها العالم الكبير يصغر حتى يصير قزما وأنا أكبر حتى أصير عملاقا..

عملاقا أعرج يدهس الأبراج الشامخة عن غير قصد لكنه نادرا ما يجد في الحطام ما يستحق الندم ولكن ذلك لا يمنعه أن يحزن! أحب أن أرى ولا أحب أن أُرى ذلك أن الناس لا يبصرون إلا بنياني المهتريء وهشاشتي، بينهم وبين رؤيتي حجاب سميك يجعلني مسخا يخشون اقترابه ويتقززون منه ربما فقط لو اقتربوا كانوا تبينوا ملامحي التي رغم تشوهها..

جميلة..

جميلة جدا كما تقول أمي

أنتم لا ترون أنفسكم جيدا تبكون وتضحكون تثرثرون وتصمتون أنتم تائهون عنكم ومع ذلك لم يُسمّ أيكم بالكفيف ولكنني مخلوقة من ضلع أعوج وفي ركني الأيسر قلبٌ مسكين يحمل هم العالم فيه ويضخ أحزانكم وعريّكم فيّ لهذا تطلقون عليّ العرجاء ولكني سأستمر في السير حتى بين تعثري وسقوطي هناك ما أراه هناك، ما أستشعره، هناك في أقصى ضلَالكم شيءٌ يدعوني لأنهض من أجله.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *