بقلم ا.د. محمد صالح الإمام
أستاذ علم النفس والتربية الخاصة
عميد المركز الدولي العربي الأفريقي للتدريب والاستشارات
الاتصال Communication هو عملية تفاعلية ديناميكية دائمة الحركة لا تسير باتجاه واحد بل عملية دائرية تتبادل فيها الأدوار والأفكار والمعلومات والخبرات بين الناس لبناء معانِ تشكل في عقولهم صوراً ذهنية لجائحة كورونا العالمية، تنضوي على طرق بدائية وبسيطة ،كالإشارة والرموز الصوتية وبعض الطقوس الدينية والإجتماعية، وبين ماهو تقني ومعقد، يتمثل باستخدام الأقمار الصناعية والإشارات الرقمية …. وصولاً إلى التفاعل والتناقل المعرفي والحسي بين الأفراد والجماعات، فالإنسان كائن إجتماعي فيه نزوع إلى الإتصال ببني جلدته، وتأخذ هذه النزعة صفة ملازمة طيلة ما يهبه الله من حياة ضمن هيكله شاملة من أفراد وجماعات ومجتمعات، وعمليات معرفية مختلفة كالإحساس والإدراك والتفكير، وما ينتج عن هذه العمليات من متغيرات وتعديلات في السلوك والاتجاهات والمواقف لغرض التكيف مع البيئة الاجتماعية، وتتنوع طرق وأساليب الاتصال وفقا لظروف الجماعة، كتوزيعها المكاني وحجمها، وبنائها الاجتماعي، بالإضافة إلى مستوياتها الحضارية والاقتصادية، #فضلاً عما تكتنف العملية من مقاصد وأغراض؛واتخذت قرارات عاجلة غير مألوفة من كل الأمم والأقوام في تغيير نمط الإتصال الإنساني في كافة أنحاء المعمورة لمواجهة ودَحَرَ كورونا منها: حظر حركة المواطنين على كافة الطرق ؛ الحد بل وإيقاف كافة وسائل النقل؛ غلق كافة المحال التجارية والحرفية بما فيها محال بيع السلع والمراكز التجارية والمولات مع غلق جميع المقاهي والكافيهات والكفتريات والملاهي والنوادي الليلية واى ما يمثلها في تقدم أنشطة ترفيهية؛ وجميع المطاعم وما يقدم الماكولات؛ وتعليق جميع الخدمات التى تقدمها الوزارات للمواطنين و كافة الخدمات؛ غلق كل النوادي الرياضيه ومراكز الشباب والصالات الرياضية؛ تعليق الدراسة في المدارس والجامعات؛ تخفيض حجم العاملين بالمصالح الحكومية يستثنى من القرار رواد الإنسانية وروداد الحفاظ علي الجنس البشري كالمستشفيات وقوات الانضباط؛ والحزم في تطبيق العقوبات الموجودة في قانون الطوارئ لمن يخالف القرارات تبدأ بالغرامات وتنتهي بالحبس وهكذا، تتراوح هذه الطرق والأساليب، من الإشارات الغامضة غير المحددة، إلى القواعد المقننة مما أربك أنماط الاتصال بطريقة تحير علماء النفس وعلماء الاجتماع لإعادة النظر في علوم ما بعد كورونا لعجزهم في التعامل أنياً -وهذا تقصير منا ومن مناهجنا الدراسية العشوائية – ودليل العجز؛ يكمن في انتشار الجشع وتفشي ظاهرة الانتحار؛ وتقطع أواصر الارحام؛ والعنف في غلق دور الرحمان – مساواه في كل الأديان- رغم تهافت البعض المصلين والدعاء أمام الأبواب المغلقة لدور العبادة في عشوائية تعود أغلبها إلي التشوهات المعرفية؛ ويختلف الأفراد كما تختلف الشعوب اختلافاً كبيراً من حيث قدرتهم على الاتصال، من طبيعة الفرص السانحة أمامهم … لنعلم أن الفروق المعرفية لها دور في التغلب علي كورونا الجامحة والطوارئ الجائحة .. و هذه لها عناصر متعددة متشابكة ومترابطة، كالمستوى الثقافي، والاستعداد والذكاء والمركز الاجتماعي والاقتصادي وتكنولوجيا الاتصال، وهذه مسلمات قوي مؤثرة فى التكيف الاجتماعي والدفاع عن الذات من خلال الأبعاد الذاتية والشخصية العميقة وقد تكون في حاجة إلي استنهاضها من خلال الوعي بعدة ميكانيزمات :
١- بأنها عملية مستمرة (دينامية) تعتمد على مجمل العوامل الشخصية والثقافية والبيئية، والتي تدير (الموقف الاتصالي Communication Stand ) ومن خلال هذا النشاط تنمو وتتطور وتتغير المفاهيم والسلوكيات نحو المثيرات والمواقف تبعا لسياقات اجتماعية وثقافية واقتصادية، ذلك لأن النشاط الاتصالي مرتبط إلى حد كبير بالخلفيات المتراكمة ..
٢- تفاعل اجتماعي بين الأفراد والجماعات فإنه يرتبط عضوياً بمرجعياتهم الإجتماعية والسياسية ونسق بنائهم الثقافي بشكل نشط مع المؤثرات البيئية من خلال طبيعته السيكولوجية والعادات والتقاليد وتراكم الخبرات، كما أنه على النطاق الشخصي غالباً ما تحمل الموروثات والطبائع بعدا أساسياً في إضفاء طابع إيجابية الإتصال ويمكن الجزم من أن المجتمع الكوني لا يستطيع الحياة بدون الإتصال، وبالمقابل فالاتصال لا يمكن أن يحدث إلا داخل إطار أو نسق اجتماعي، وإن أمكن حدوثه في المجتمع الافتراضي “مجموعة أفراد يستخدمون منتديات المحادثة، حلقات النقاش، أو مجموعات الحوار الذين تنشأ بينهم علاقة انتماء إلى جماعة واحدة ويتقاسمون نفس الأذواق، القيم، والاهتمامات ولهم أهداف مشتركة ….وهنا العولمة البشرية ما بين العسر واليسر …
٣- نظام من الرموز العملية التي على وفقها يقوم الأفراد بتحويل الأفكار والمهارات والمفاهيم في أشكال مختزلة، وبشكل عمدي أو تلقائي، ليتم إدراكها، ومن ثم تعديل السلوك في ضوئها. وهذا ما نحن في صدده لقطاع كبير وكبير جدآ من إجبارية تغيير زاوية التفكير وتعليم مهارات ذاتية ومجتمعية وتعديل مفاهيم هذا مالفنا عليه الحياة … جاءت جائحة كورونا لتحدث ثورة في الضبط الداخلي والضبط الخارجي لكل الأفراد الانسانيون علي الرغم من الاختلاف البيئية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والفنية في إطار شمولية البيئة العقائدية ولها المفهوم الجاذب نحو شمولية الدين واليقين الدفين القابل للإعلان نحو تكاملية الأديان في إعلاء قيم التكريم للانسان ولا #فرق بين أعرابي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح المحققان لجودة التكليف #….
٤- التشويش في جائحة كورونا ويسمى التشويش الميكانيكي المقصود أحيانا أو المضطرب في حدته وشدته أحياناً أخري، ويشمل كل ما يسبب الدهشه والاهتزاز أو تعويق في سلامة وسريان النقل الطبيعي للرسائل الاتصالية، وهنا المقصودية، حيث يحدث عند استعمال المصدر لكلمات لا يتسع لها قاموس أو فهم الجمهور، أو يتناول موضوعات ليس للمتلق معرفة بأولياتها، وهذا واضح جدا في الرسائل الأولي التي أطلقها ترامب علي الصين لدرجة أنها أصبحت متلازمة في تصريحاته “الفيروس الصيني” هذا فن استعمال كلمات أو معاني أو دلالات تحمل قصداً معيناً بالنسبة للمرسل بينما تحمل معنى مختلف بالنسبة للجمهور، ويعّد فهم أو تفسير الرسالة الواحدة بمعانٍ مختلفة من قبل الجمهور تشويشاً لغوياً أو دلالياً لتحقيق أهداف الدنيا المادية لاغيا قيم التكريم الإنسانية .
مما لا شك فيه أن جائحة كورونا هزت تكنولوجيا الإعلام و نسفت الكثير من الأبعاد الاجتماعية، وزعزعت القيم الاقتصادية وهي إذا كانت لا تلقي اهتماماً ملحوظاً في الشعوب النامية، فأن الدول المتقدمة أو التي في ركابها قد أولت اهتماماً لمواجهتها بوصفهِا عصب الهيمنة السياسية والانتشار الثقافي، والهيمنة العسكرية وبعض هذه الدول استدعت من قوتها المادية خصائص القوي الإلهية رغم التحذير الإلهي حيث قال ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) وهم بالفعل نسوا الله – و منا الشهود ومنا من شاركوهم – فذاقوا ويذوقون وبال أعمالهم .. نعم لقد أثبت الفيروس بأنه أقوي من اعتي التروس وقادر علي دَحَرَ كل النفوس وأظهر زعماء العالم في صورة اليئوس قولا وفعلاً … فلا تكنولوجيا الدواء ولا الكساء ولا تكنولوجيا السلوك البشري ولا التربية الرقمية لها دور في مواجهته أو حتي توضيح ماهيته ونشئته وبناء عليه فالكثير من الأبعاد الاجتماعية قد نحرت ومعظم الأعمال الاقتصادية ضحضحت ويقينا أوقات تغيير الخريطة العالمية قد أتتت لا ريب فيها ..
لذا تحتم علينا تغيير المفاهيم النفسية للاتصال الإنساني في وقت البلاء وانتشار الوباء، كالاتصال المحلى، والاتصال الدولي،والتربوي،والريفي ،والإداري فضلاً عن الاتصال االفني، وتفرعت منه تخصصات متعددة، كالدعاية، والحرب النفسية، والشائعات، والعلاقات العامة، والإعلان، والمعلوماتية، وما يتمخض عنه من أنشطه وميادين. وإذا ما تفحصنا طبيعة المشكلات على المستوى الدولي والإنساني نراها(اتصالية) .. وهنيئا للسياسة العربية والمصرية كنموذج رائد في تقديم يد المساعدات الإنسانية الفريدة لدول العالم الأول في سابقة تاريخية كتبت بحروف من نور والاجيال الإنسانية القادمة تجني ثمار جمال الفعل العميق والعرض المذهل والأول عالميا وابهر الدنيا كلها لبث روح المبادرة و الإستعداد أن تمد يد العون للبشرية من أرض الكنانة واعطت أم البلاد اليوم الثلاثاء السابع من أبريل ٢٠٢٠الموافق النصف من شعبان١٤٤١هجرية وأخر شهر برمهات -وهذه التواريخ لها دلالاتها الاجتماعية والسياسية والعقائدية- إضافة جديدة للسعة العقلية العالمية فقدمت عروض علاجية واستعداد فريد لإنقاذ البشرية بدلاً من العروض العسكرية واستعراض قوي التدمير والهيمنة والتي وصلت إلي حد القرصنة وبث الرعب في نفوس البشرية؛ رسخت مصر تطبيقيا أن الإنسان لأخيه الإنسان كالبنيان المرصوص يشد بعضه لرضي ربه الواحد القادر القهار نعم كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، كذلك بقاء الحق لأهله فانتفعوا به -وهنا تغيير الخريطة الاجتماعية- ذلك أن التفاهم والتباغض،الفوضى والاستقرار،الخير والشر أساسهما،الكلمة،السلوك، الفكر، الصور النمطية، التأريخ، ثم القدرة على التأثير، وهذه جميعا مستلزمات وميكانزيمات إعلامية،في إطار المناخ الخصب للشائعات -[التي يؤلفها حاقد وما أكثرهم في الشعوب النامية وينشرها الأحمق -نواتج منظومة تعليمية مهرولة- ويصدقها الغبي -غياب الثقافة؛ وغياب الإعلام الأمين وإزاحة الإعلامي المؤهل وقد يتفق في هذا الوحشية والثعلبيه التي بستعرصها بعض من قست قلوبهم]- وذلك كله له استراتيجيات يمكن أن توظفها الإدارة الحكيمة في علاج صور الغوغاء التي تعوق الإنتاج والتواصلية الإنسانية في طبيعتها لتحقيق هدف الهبوط إلي الأرض ..إن تداعيات العصر من مكتشفات وصراعات، أوجدت حاجة ماسة إلى أن نفهم ونتقصى كيفية عمل الفعل الإنساني في التأثير وما حدود إشراك أدوات الاتصال والإعلام في هذا الصراع، في ظل التعقيدات الهائلة التي خلفها تواتر وتراكم المعلومات والأفكار . فعلينا إذاً أن نتعلم وإن لم نتعلم فوجب التشيع والفناء فلا مفر من أن نستوعب العناصر الدائرية الكونية والبيولوجية والأرضية التي أنتجتها الثورة الكورونية وما تشكله من تأثيرات نفسية وسياسية، واقتصادية واجتماعية وتربوية…..عاشت الأمة العربية حاضنة للبشرية .
اترك تعليقاً