بقلم محمد غالب
من بيتي للعاصمة
8 ساعات على «طريق الموت» طريق الصعيد الصحراوي
رحلة مليئة بالمفاجآت علي ( طريق الموت) طريق الصعيد ، فحدث ولاحرج ، قل فيها ماشئت .. فهى طرق اذا نجوت فيها من الحوادث فلن تنجو من قطاع الطرق والعصابات المسلحة ، وإذا نجوت من العصابات المسلحه لن تنجو سيارتك من المطبات العشوائية التى تصطاد ضحاياها من السيارات بالعشرات يوميا وتحولها الى خردة ؛ يبدو أن الموت كتب علي أهالي الصعيد سواء بتمزيق أجسادهم تحت عجلات القطارات التي من الاساس لا تعمل الا بنصف قوتها ؛ أو باغتيال أحلامهم في حوادث السيارات التي يديرها مافيا تستغل الركاب وهناك في كل موقف مافيا لتحديد سعر الاجرة ، بات الصعايدة في حيرة من أمرهم لا يجدون حلا لوقف نزيف الدماء الذي يسيل منهم علي الطرقات فإن هربوا من حوادث السيارات واستقلوا القطارات وجدوا الموت يتربص بهم وأن قرروا استقلال السيارات وجدوها كالنعوش الطائرة التي تقودهم نحو الموت.فكل الطرق صارت سيئة السمعة وتودى بنا الى الآخرة، وقد تندهش إذا قلت لك ان جميع الطرق فى مصر ـ وبلا استثناء ـ بجدارة نجحت فى ان تتجاوز النقاط السوداء لمعيار السلامة والصلاحية ، ويكفى ان تعرف وحسب التقارير الدولية ان اكثر من 50 ضحية لكل 100 كيلو متر تقطعها السيارات تسقط فى مصر بسبب حوادث الطرق ، هذا مقارنة بشخص واحد فى الولايات المتحدة واقل من شخص فى بريطانيا
تكالبت المشكلات والمآسى على أهل الصعيد منذ زمن بعيد، ليجدوا أنفسهم فى مواجهة «الموت» من خلال شبكة الطرق المتهالكة سواء الرئيسية أو الفرعية فى ظل التوقف الجزئى لحركة قطارات الصعيد والتى أجبرتهم على استقلال النعوش الطائرة «سيارات الميكروباص» وكانت الطامة الكبرى بعد الثورة قيام الأهالى بعمل المطبات العشوائية التى باتت تحصد أرواح الضحايا يوميا فى ظل اختفاء العلامات الإرشادية، هذا فضلا عن مركبات التوك توك وعربات الكارو التى تفجر أزمة حقيقية على الطرق السريعة والفرعية .
بدأت الرحلة من بيتي بمركزابوتشت شمال محافظة قنا متجهاً إلى العاصمة القاهرة ، حيث مقر عملي ، كنت ارغب في الحصول علي تذكرة قطار القاهرة ولكني لم استطع توفير تذكرة نظرا لقلة القطارات التي تعمل ولضيق الوقت ؛ فقررت ان استقل سيارة ميكروباص من الميكروباصات التي تعمل بين خط الصعيد – القاهرة ؛ القصة هنا ليست قصة مافيا الميكروباصات التي تستغل الظروف وتجبرك علي دفع الاجرة التي تحددها هي بدون معايير لذلك ، حيث ان كل سائق يحدد اجرته كما يشاء ؛ انما الموضوع هو انه خرجنا من مدينتي ابوتشت من ناحية مركز دار السلام بمحافظة سوهاج اي ناحية الشرق ، وبعد سير حوالي ساعة وجدنا مشاجرة بين عائلتين بالاسلحة وانطلق وابل من الاعيرة النارية بشكل عشوائي فبدأ الخوف والذعر يدب في نفوس الركاب ، وعلي أثر ذلك بحثنا عن طريق اخر نسير فيه غير هذا الطريق ، فوجدنا طريقا اخر وسرنا فيه ، والطريق من مدينتي ابوتشت حتي سوهاج مليئة بالمفاجآت، فقد تتوقف فجأة أمام طفل لم يتجاوز عمره سبع سنوات يعبر الطريق مسرعاً إلى الناحية المقابلة ليركب إحدى سيارات الأقاليم التى وقفت فى عرض الطريق لالتقاط الركاب، وقد تجد قطيعاً من الماشية والأبقار يقطع الطريق تاركا خلفه زوبعة من التراب تجبرك على الانتظار لحين زوالها خوفاً من القادم فى الاتجاه المعاكس، الخطورة على طريق الصعيد الزراعى تزداد بالنسبة للمتجهين إلى القاهرة، فأى مفاجأة تلقى بك مباشرة فى ترعة الإبراهيمية، التى تآكل الجزء الأكبر من سياجها الحديدى ولم يتم استبداله أو ترميمه، وقد تفاجأ بقطار يقطع الطريق أمامك ، دون أن تجد إشارة ضوئية أو حاجزاً يمنع السيارات من المرور أو شرطياً يحذر المارة، فلكل مدخل قرية حادثة، ولكل مطب ضحاياه، ومياه ترعة الإبراهيمية والحقول الممتدة على جانبى الطريق تشهد على الأعداد المهولة لضحايا «طريق الموت».
بوصلنا محافظة سوهاج نبدأ مرحلة اخري من الطريق وهي مرحلة الطريق الصحراوي ؛حيث اختار السائق الطريق الصحراوى ، والذى كان رغم تحسن حالته فى كثير من الأحيان أكثر رعباً وخطورة من الزراعى، الوصلات المؤدية إلى هذا الطريق غير ممهدة تماماً، ولا يوجد لها أى لافتات أو أعمدة إنارة، ومن السهل جداً أن تضل طريقك فى قلب الصحراء بحثاً عن الطريق الرئيسى، كما أن هذه المنطقة لا توجد بها شبكات تقوية للمحمول، حاولنا استخدام الهواتف فكانت جميعها خارج التغطية، أعمدة الإنارة صدئة وملقاة فى قلب الطريق، الأجزاء المضاءة تدل على الاقتراب من إحدى اللجان على الطريق، سوى ذلك أنت مجبر على الاعتماد على أضواء سيارتك، فأى حادثة تعنى الوفاة مباشرة.
وقفا بكافتيريا بغرب اسيوط حيث جلسنا نصف ساعة تقريبا للاستراحة ، والسائق هو من يختار الكافتيريا ، لانه علي حد قوله متعود عليها ، لذلك علينا الا نفكر في الذهاب للحمام قبل ذلك ؛ وايضا علي الركاب ان يحضروا معهم طعام وشراب لطول الطريق بدون توقف ، ثم سرنا من اسيوط الي المنيا الي بني سويف الي ان نوصلنا الي الكريمات وهنا كان الموت ينتظرنا ، حيث وجدنا في هذه المنطقة ما يشبه لعبة العسكر والحرامية او القط والفار ، حيث وجدنا قطاع طرق وعصابات وتجار مخدرات وعلي المقابل قوات الأمن التي تطاردهم ، حيث الطريق ضيق شاهدنا سيارة جيب شروكي واخري تويوتا دبل كابينه تابعين للعصابة ومعهم اسلحة آلية ؛ تطاردهم قوات الامن بسيارة ميكروباص شرطية وسيارة (بوكس شرطة) ومدرعة .
كانت سيارتنا تسير بنفس سرعة سيارات الشرطة والعصابة تقريبا وبدات الاشتباكات بالاعيرة النارية بشكل عشوائي من هنا وهناك ، كنت أجلس بالمقعد الامامي من السيارة ناحية الاشتباكات فجأة وبدون مقدمات وجدت نفسي في حالة ذهول لا اعرف ماذا يحدث ؛ وبدات صرخات الاطفال والسيدات تعلو وتعلو ، فقط لم يكن امامي سوي شئ واحد.. وهو ان اردد ” لا اله الا الله .. لا اله الا الله ” .
كتب الله لنا النجاة والبقاء علي قيد الحياة واستطاع السائق بمهارة ان يزيد من سرعة السيارة رغم الحمولة الثقيلة بالميكروباص من ركاب وشنط كثيرة ، وتقدمنا امام سيارة العصابة والشرطة الا ان المطاردة مستمرة والموقف جعلني لا اعرف عدد القتلة والاصابات ولكن في النهاية استطاعت قوات الامن ان تسيطر علي الموقف بعد وابل من الأعيرة النارية .
في النهاية ليس الغرض من القصة المتعة او الاثارة او التسلية ، أنما الغرض منها أن نوجة نداء للاهتمام بالصعيد وبالمواطن الصعيدي ، نريد نظرة للطرق التي ينقصها وحدات شرطية واسعاف وكافة الخدمات لتوفير حياة آدمية امنة … وهذا هو ابسط حق من حقوق المواطنة .. كلامي أنتهي ولكن أملي لن ينتهي ولن يتوقف .